ما بعد الإنسانية- نظرة عربية من جابر بن حيان إلى المستقبل

المؤلف: مي خالد10.11.2025
ما بعد الإنسانية- نظرة عربية من جابر بن حيان إلى المستقبل

إن مفهوم ما بعد الإنسانية يمثل طائفة واسعة من الأفكار والطموحات الحديثة، ويمكن اعتباره إيديولوجية تسعى إلى تجاوز حدود القدرات الجسدية والذهنية للإنسان، وذلك بالاعتماد على التقنيات المتطورة. يرى دعاة هذا التحول الجذري أن الصورة الحالية للإنسان ليست سوى مرحلة مؤقتة، وأن المستقبل يحمل في طياته إنسانًا مُعززًا تكنولوجيًا، قادرًا على تخطي القيود الراهنة. وهم يعتقدون أن التطور التكنولوجي المتسارع سيقود حتمًا إلى ظهور هذا الإنسان الجديد، المتفوق على نظيره الحالي. يُذكر أن جوليان هكسلي هو من صاغ مصطلح "التحول البشري" في عام 1957، إيذانًا ببدء هذا المسار الفكري.

لطالما اهتم أنصار نظرية التطور البشري بمفهوم الوعي والكون المتفتح، إلا أن أول استخدام لمصطلح "التحول البشري" بمعناه الحديث يعود إلى رائد علم التجميد، روبرت إيتنجر. فقد انطلق إيتنجر، وهو مدرس الفيزياء، في رحلة تفكير عميقة حول الموت وقوة العلم، وذلك بعد تعرضه لإصابة خلال الحرب العالمية الثانية. تجسدت أفكاره في قصة خيال علمي نشرها عام 1948، وتناولت موضوع تجميد الأجساد البشرية بهدف تحقيق الخلود. لم يكتف إيتنجر بالخيال، بل انتقل إلى الكتابة الواقعية، واصفًا الإمكانات التقنية الكامنة في تجميد البشر وحفظهم في درجات حرارة منخفضة للغاية. وقد أثمرت جهوده عن كتابه الأول، "احتمال الخلود" (1965)، الذي أثار جدلاً واسعًا وأسهم في إرساء أسس علم التجميد.

قد يتبادر إلى الذهن أن هذا الحديث النظري بعيد كل البعد عن الواقع العربي المثقل بهموم الحياة اليومية، مثل تأمين لقمة العيش ورفع الحصار ووضع نهاية للحروب. قد يُنظر إليه على أنه ضرب من الترف الفكري، ولكن المفاجأة هي أن أحد أوائل من تناول هذا الموضوع، حسب اعتقادي، هو العالم العربي جابر بن حيان، وذلك في إطار ما أسماه "صناعة الإنسان". لقد اطلعت على مخطوطة منسوبة إلى جابر بن حيان، تحمل عنوان "التجميع: تكوين الإنسان بصناعة الكيمياء"، وتتحدث عن مفاهيم قريبة جدًا مما يعرف اليوم بما بعد الإنسانية. يقول جابر بن حيان في هذه المخطوطة:

"إن الإنسان المراد تكوينه لابد وأن تؤخذ قوة عقله أولًا، لأن لا شيء أسمى من عالم العقل، ثم ينظر إلى نفسه وصفاته المراد أن يكتسبها مثل السماحة أو الشح وغيرها، وفي الأخير يأتي النظر للتكوين الجسماني".

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة